ما يفسد الصّوم ويوجب القضاء والكفّارة ( الجزء الرابع )
الأربعاء أغسطس 07, 2013 2:24 pm
الآثار المترتّبة على الإفطار
85 - حصر الفقهاء الآثار المترتّبة على الإفطار في أمور، منها: القضاء، والكفّارة الكبرى، والكفّارة الصّغرى - وهذه هي الفدية - والإمساك بقيّة النّهار، وقطع التّتابع، والعقوبة.
[url=#TOP][/url]أوّلاً: القضاء
86 - من أفطر أيّاماً من رمضان - كالمريض والمسافر - قضى بعدّة ما فاته، لأنّ القضاء يجب أن يكون بعدّة ما فاته، لقوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
ومن فاته صوم رمضان كلّه، قضى الشّهر كلّه، سواء ابتدأه من أوّل الشّهر أو من أثنائه، كأعداد الصّلوات الفائتة.
قال الأبيّ: القضاء لما فات من رمضان بالعدد: فمن أفطر رمضان كلّه، وكان ثلاثين، وقضاه في شهر بالهلال، وكان تسعةً وعشرين يوماً، صام يوماً آخر. وإن فاته صوم رمضان وهو تسعة وعشرون يوماً، وقضاه في شهر - وكان ثلاثين يوماً - فلا يلزمه صوم اليوم الأخير، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
وقال ابن وهب: إن صام بالهلال، كفاه ما صامه، ولو كان تسعةً وعشرين، ورمضان ثلاثين.
وكذا قال القاضي من الحنابلة: إن قضى شهراً هلاليّاً أجزأه، سواء كان تامّاً أو ناقصاً وإن لم يقض شهراً، صام ثلاثين يوماً. وهو ظاهر كلام الخرقيّ.
قال المجد: وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وقال: هو أشهر.
ويجوز أن يقضي يوم شتاء عن يوم صيف، ويجوز عكسه، بأن يقضي يوم صيف عن يوم شتاء، وهذا لعموم الآية المذكورة وإطلاقها.
وقضاء رمضان يكون على التّراخي. لكن الجمهور قيّدوه بما إذا لم يفت وقت قضائه، بأن يهلّ رمضان آخر، لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: » كان يكون عليّ الصّوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلاّ في شعبان، لمكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم «. كما لا يؤخّر الصّلاة الأولى إلى الثّانية.
ولا يجوز عند الجمهور تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر، من غير عذر يأثم به، لحديث عائشة هذا، فإن أخّر فعليه الفدية: إطعام مسكين لكلّ يوم، لما روي عن ابن عبّاس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتّى أدركه رمضان آخر: عليه القضاء وإطعام مسكين لكلّ يوم، وهذه الفدية للتّأخير، أمّا فدية المرضع ونحوها فلفضيلة الوقت، وفدية الهرم لأصل الصّوم، ويجوز الإطعام قبل القضاء ومعه وبعده.
ومذهب الحنفيّة، وهو وجه محتمل عند الحنابلة: إطلاق التّراخي بلا قيد، فلو جاء رمضان آخر، ولم يقض الفائت، قدّم صوم الأداء على القضاء، حتّى لو نوى الصّوم عن القضاء لم يقع إلاّ عن الأداء، ولا فدية عليه بالتّأخير إليه، لإطلاق النّصّ، وظاهر قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
وعند غير الحنفيّة يحرم التّطوّع بالصّوم قبل قضاء رمضان، ولا يصحّ تطوّعه بالصّوم قبل قضاء ما عليه من رمضان، بل يبدأ بالفرض حتّى يقضيه، وإن كان عليه نذر صامه بعد الفرض، لأنّ الصّوم عبادة متكرّرة، فلم يجز تأخير الأولى عن الثّانية، كالصّلوات المفروضة.
[url=#TOP][/url]
مسائل تتعلّق بالقضاء
[url=#TOP][/url]
الأولى
87 - إن أخّر قضاء رمضان - وكذا النّذر والكفّارة - لعذر، بأن استمرّ مرضه أو سفره المباح إلى موته، ولم يتمكّن من القضاء، فلا شيء عليه، ولا تدارك للغائب بالفدية ولا بالقضاء، لعدم تقصيره، ولا إثم به، لأنّه فرض لم يتمكّن منه إلى الموت، فسقط حكمه، كالحجّ، ولأنّه يجوز تأخير رمضان بهذا العذر أداءً، فتأخير القضاء أولى، كما يقول النّوويّ.
وسواء استمرّ العذر إلى الموت، أم حصل الموت في رمضان، ولو بعد زوال العذر كما قال الشّربينيّ الخطيب.
وقال أبو الخطّاب: يحتمل أن يجب الصّوم عنه أو التّكفير
[url=#TOP][/url]
الثّانية:
88 - لو أفطر بعذر واتّصل العذر بالموت فقد اتّفق الفقهاء على أنّه لا يصام عنه ولا كفّارة فيه، لأنّه فرض لم يتمكّن من فعله إلى الموت فسقط حكمه، كالحجّ.
أمّا إذا زال العذر وتمكّن من القضاء، ولم يقض حتّى مات ففيه تفصيل:
فذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في المذهب، وهو الأصحّ والجديد عند الشّافعيّة - إلى أنّه لا يصام عنه، لأنّ الصّوم واجب بأصل الشّرع لا يقضى عنه، لأنّه لا تدخله النّيابة في الحياة فكذلك بعد الممات كالصّلاة.
وذهب الشّافعيّة في القديم، وهو المختار عند النّوويّ، وهو قول أبي الخطّاب من الحنابلة إلى أنّه يجوز لوليّه أن يصوم عنه، زاد الشّافعيّة: ويصحّ ذلك، ويجزئه عن الإطعام، وتبرأ به ذمّة الميّت ولا يلزم الوليّ الصّوم بل هو إلى خيرته، لحديث عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: » من مات وعليه صيام صام عنه وليّه «.
أمّا في وجوب الفدية فقد اختلفوا فيه على النّحو التّالي:
قال الحنفيّة: لو أخّر قضاء رمضان بغير عذر، ثمّ مات قبل رمضان آخر أو بعده، ولم يقض لزمه الإيصاء بكفّارة ما أفطره بقدر الإقامة من السّفر والصّحّة من المرض وزوال العذر، ولا يجب الإيصاء بكفّارة ما أفطره على من مات قبل زوال العذر.
وذهب الشّافعيّة - في الجديد - إلى أنّه يجب في تركته لكلّ يوم مدّ من طعام.
وذهب الحنابلة في المذهب إلى الإطعام عنه لكلّ يوم مسكيناً.
والظّاهر من مذهب المالكيّة: وجوب مدّ عن كلّ يوم أفطره إذا فرّط، بأن كان صحيحاً مقيماً خالياً من الأعذار.
[url=#TOP][/url]
ثانياً: الكفّارة الكبرى
89 - ثبتت الكفّارة الكبرى بالنّصّ في حديث الأعرابيّ الّذي واقع زوجته في نهار رمضان. ولا خلاف بين الفقهاء في وجوبها بإفساد الصّوم بالوقاع في الجملة، وإنّما الخلاف في وجوبها بإفساده بالطّعام والشّراب: فتجب - في الجملة أيضاً - بإفساد صوم رمضان خاصّةً، طائعاً متعمّداً غير مضطرّ، قاصداً انتهاك حرمة الصّوم، من غير سبب مبيح للفطر.
وقال الحنفيّة: إنّما يكفّر إذا نوى الصّيام ليلاً، ولم يكن مكرهاً، ولم يطرأ مسقط، كمرض وحيض.
فلا كفّارة في الإفطار في غير رمضان، ولا كفّارة على النّاسي والمكره - عند الجمهور - ولا على النّفساء والحائض والمجنون، ولا على المريض والمسافر، ولا على المرهق بالجوع والعطش، ولا على الحامل، لعذرهم.
ولا على المرتدّ، لأنّه هتك حرمة الإسلام، لا حرمة الصّيام خصوصاً.
فتجب بالجماع عمداً، لا ناسياً - خلافاً لأحمد وابن الماجشون من المالكيّة - وتجب بالأكل والشّرب عمداً، خلافاً للشّافعيّ وأحمد، وتقدّمت موجبات أخرى مختلف فيها، كالإصباح بنيّة الفطر، ورفض النّيّة نهاراً والاستقاء العامد، وابتلاع ما لا يغذّي عمداً.
أمّا خصال الكفّارة فهي: العتق والصّيام والإطعام، وهذا بالاتّفاق بين الفقهاء، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: » بينما نحن جلوس عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول اللّه، هلكت، قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبةً تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستّين مسكيناً؟ قال: لا، قال: فمكث النّبيّ صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك، أتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيها تمر، قال: أين السّائل؟ فقال: أنا، قال: خذ هذا فتصدّق به، فقال الرّجل: على أفقر منّي يا رسول اللّه، فواللّه ما بين لابتيها - يريد الحرّتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتّى بدت أنيابه، ثمّ قال: أطعمه أهلك «.
قال ابن تيميّة الجدّ في تعليقه على هذا الحديث: وفيه دلالة قويّة على التّرتيب.
قالوا: فكفّارته ككفّارة الظّهار، لكنّها ثابتة بالكتاب، وأمّا هذه فبالسّنّة.
وقال الشّوكانيّ: ظاهر الحديث أنّ الكفّارة بالخصال الثّلاث على التّرتيب.
قال ابن العربيّ: لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نقله من أمر بعد عدمه إلى أمر آخر، وليس هذا شأن التّخيير.
وقال البيضاويّ: إنّ ترتيب الثّاني على الأوّل، والثّالث على الثّاني، بالفاء يدلّ على عدم التّخيير، مع كونها في معرض البيان وجواب السّؤال، فنزل منزلة الشّرط وإلى القول بالتّرتيب ذهب الجمهور. وأنّها ككفّارة الظّهار: فيعتق أوّلاً، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً، لهذا الحديث.
[url=#TOP][/url]
ثالثاً: الكفّارة الصّغرى
90 - الكفّارة الصّغرى: هي الفدية، وتقدّم أنّها مدّ من طعام لمسكين إذا كان من البرّ، أو نصف صاع إذا كان من غيره، وذلك عن كلّ يوم، وهي عند الحنفيّة كالفطرة قدراً، وتكفي فيها الإباحة، ولا يشترط التّمليك هنا، بخلاف الفطرة.
وتجب على من أخّر قضاء رمضان حتّى دخل رمضان آخر، وعلى الحامل والمرضع والشّيخ الهرم.
وينظر التّفصيل في مصطلح: (فدية).
[url=#TOP][/url]
رابعاً: الإمساك لحرمة شهر رمضان
91 - من لوازم الإفطار في رمضان: الإمساك لحرمة الشّهر، قال النّوويّ: وهو من خواصّ رمضان، كالكفّارة، فلا إمساك على متعدّ بالفطر، وفي نذر أو قضاء وفيه خلاف وتفصيل وتفريع في المذاهب الفقهيّة:
فالحنفيّة وضعوا أصلين لهذا الإمساك:
أوّلهما: أنّ كلّ من صار في آخر النّهار بصفة، لو كان في أوّل النّهار عليها للزمه الصّوم، فعليه الإمساك.
ثانيهما: كلّ من وجب عليه الصّوم، لوجود سبب الوجوب والأهليّة، ثمّ تعذّر عليه المضيّ، بأن أفطر متعمّداً، أو أصبح يوم الشّكّ مفطراً، ثمّ تبيّن أنّه من رمضان، أو تسحّر على ظنّ أنّ الفجر لم يطلع، ثمّ تبيّن طلوعه، فإنّه يجب عليه الإمساك تشبّهاً على الأصحّ، لأنّ الفطر قبيح، وترك القبيح واجب شرعاً، وقيل: يستحبّ.
وأجمع الحنفيّة على أنّه لا يجب على الحائض والنّفساء والمريض والمسافر هذا الإمساك. وأجمعوا على وجوبه على من أفطر عمداً، أو خطأً، أو أفطر يوم الشّكّ ثمّ تبيّن أنّه من رمضان، وكذا على مسافر أقام، وحائض ونفساء طهرتا، ومجنون أفاق، ومريض صحّ، ومفطر ولو مكرهاً أو خطأً، وصبيّ بلغ، وكافر أسلم.
وقال ابن جزيّ من المالكيّة: وأمّا إمساك بقيّة اليوم، فيؤمر به من أفطر في رمضان خاصّةً، عمداً أو نسياناً، لا من أفطر لعذر مبيح ثمّ زال العذر مع العلم برمضان، فإنّه لا يندب له الإمساك، كمن اضطرّ للفطر في رمضان، من شدّة جوع أو عطش فأفطر، وكحائض ونفساء طهرتا نهاراً، ومريض صحّ نهاراً، ومرضع مات ولدها، ومسافر قدم، ومجنون أفاق، وصبيّ بلغ نهاراً، فلا يندب الإمساك منهم.
وقيّد العلم برمضان، احتراز عمّن أفطر ناسياً، وعمّن أفطر يوم الشّكّ ثمّ ثبت أنّه من رمضان، فإنّه يجب الإمساك، كصبيّ بيّت الصّوم، واستمرّ صائماً حتّى بلغ، فإنّه يجب عليه الإمساك، لانعقاد صومه له نافلةً، أو أفطر ناسياً قبل بلوغه فيجب عليه بعد الإمساك، وإن لم يجب القضاء على الصّبيّ في هاتين الصّورتين.
ونصّوا كذلك على أنّ من أكره على الفطر، فإنّه يجب عليه الإمساك، بعد زوال الإكراه قالوا: لأنّ فعله قبل زوال العذر، لا يتّصف بإباحة ولا غيرها.
ونصّوا على أنّه يندب إمساك بقيّة اليوم لمن أسلم، لتظهر عليه علامة الإسلام بسرعة، ولم يجب، تأليفاً له للإسلام، كما ندب قضاؤه، ولم يجب لذلك.
والشّافعيّة بعد أن نصّوا على أنّ الإمساك تشبّهاً من خواصّ رمضان، كالكفّارة، وأنّ من أمسك تشبّهاً ليس في صوم وضعوا هذه القاعدة، وهي: أنّ الإمساك يجب على كلّ متعدّ بالفطر في رمضان، سواء أكل أو ارتدّ أو نوى الخروج من الصّوم - وقلنا إنّه يخرج بذلك- كما يجب على من نسي النّيّة من اللّيل، وهو غير واجب على من أبيح له الفطر إباحةً حقيقيّةً، كالمسافر إذا قدم، والمريض إذا برئ بقيّة النّهار.
ونظروا بعد ذلك في هذه الأحوال:
المريض والمسافر، اللّذان يباح لهما الفطر، لهما ثلاثة أحوال:
الأولى: أن يصبحا صائمين، ويدوما كذلك إلى زوال العذر، فالمذهب لزوم إتمام الصّوم. الثّانية: أن يزول العذر بعد ما أفطر، فلا يجب الإمساك، لكن يستحبّ لحرمة الوقت - كما يقول المحلّيّ - فإن أكلا أخفياه، لئلاّ يتعرّضا للتّهمة وعقوبة السّلطان، ولهما الجماع بعد زوال العذر، إذا لم تكن المرأة صائمةً، بأن كانت صغيرةً، أو طهرت من الحيض ذلك اليوم.
الثّالثة: أن يصبحا غير ناويين، ويزول العذر قبل أن يأكلا، ففي المذهب قولان:
لا يلزمهما الإمساك في المذهب، لأنّ من أصبح تاركاً للنّيّة فقد أصبح مفطراً، فكان كما لو أكل وقيل: يلزمهما الإمساك حرمةً لليوم.
وإذا أصبح يوم الشّكّ مفطراً غير صائم، ثمّ ثبت أنّه من رمضان، فقضاؤه واجب، ويجب إمساكه على الأظهر، وقيل: لا يلزمه، لعذره.
أمّا لو بان أنّه من رمضان قبل الأكل: فقد حكى المتولّي في لزوم الإمساك القولين، وجزم الماورديّ وجماعة بلزومه.
قال القليوبيّ وهو المعتمد.
وإذا بلغ صبيّ مفطراً أو أفاق مجنون، أو أسلم كافر أثناء يوم من رمضان ففيه أوجه: أصحّها أنّه لا يلزمهم إمساك بقيّة النّهار لأنّه يلزمهم قضاؤه، والثّاني: أنّه يلزمهم، بناءً على لزوم القضاء.
والثّالث: يلزم الكافر دونهما، لتقصيره.
والرّابع: يلزم الكافر والصّبيّ لتقصيرهما، أو لأنّهما مأموران على الجملة - كما يقول الغزاليّ - دون المجنون.
قال المحلّيّ: لو بلغ الصّبيّ بالنّهار صائماً، بأن نوى ليلاً، وجب عليه إتمامه بلا قضاء، وقيل: يستحبّ إتمامه، ويلزمه القضاء، لأنّه لم ينو الفرض.
والحائض والنّفساء إذا طهرتا في أثناء النّهار، فالمذهب أنّه لا يلزمهما الإمساك، ونقل الإمام الاتّفاق عليه.
وفي مذهب الحنابلة هذه القاعدة بفروعها:
من صار في أثناء يوم من رمضان أهلاً للوجوب لزمه إمساك ذلك اليوم وقضاؤه لحرمة الوقت، ولقيام البيّنة فيه بالرّؤية، ولإدراكه جزءاً من وقته كالصّلاة.
وكذا كلّ من أفطر والصّوم يجب عليه، فإنّه يلزمه الإمساك والقضاء، كالفطر لغير عذر، ومن أفطر يظنّ أنّ الفجر لم يطلع وكان قد طلع، أو يظنّ أنّ الشّمس قد غابت ولم تغب، أو النّاسي للنّيّة، فكلّهم يلزمهم الإمساك، قال ابن قدامة: لا نعلم بينهم فيه اختلافاً. أو تعمّدت مكلّفة الفطر، ثمّ حاضت أو نفست، أو تعمّد الفطر مقيم ثمّ سافر، فكلّهم يلزمهم الإمساك والقضاء، لما سبق.
فأمّا من يباح له الفطر في أوّل النّهار ظاهراً وباطناً كالحائض والنّفساء والمسافر والصّبيّ والمجنون والكافر والمريض إذا زالت أعذارهم في أثناء النّهار، فطهرت الحائض والنّفساء، وأقام المسافر، وبلغ الصّبيّ، وأفاق المجنون، وأسلم الكافر، وصحّ المريض، ففيهم روايتان:
إحداهما: يلزمهم الإمساك بقيّة اليوم، لأنّه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصّيام، فإذا طرأ بعد الفجر أوجب الإمساك، كقيام البيّنة بالرّؤية.
واقتصر على موجب هذه الرّواية البهوتيّ، في كشّافه وروضه.
والأخرى: لا يلزمهم الإمساك، لأنّه روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنّه قال: من أكل أوّل النّهار، فليأكل آخره.
ولأنّه أبيح له الفطر أوّل النّهار ظاهراً وباطناً، فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر النّهار، كما لو دام العذر.
قال ابن قدامة: فإذا جامع أحد هؤلاء، بعد زوال عذره، انبنى على الرّوايتين، في وجوب الإمساك:
1 - فإن قلنا: يلزمه الإمساك، فحكمه حكم من قامت البيّنة بالرّؤية في حقّه إذا جامع.
2 - وإن قلنا: لا يلزمه الإمساك، فلا شيء عليه.
وقد روي عن جابر بن يزيد: أنّه قدم من سفره فوجد امرأته قد طهرت من حيض، فأصابها.
[url=#TOP][/url]
خامساً: العقوبة
92 - يراد بالعقوبة هنا: الجزاء المترتّب على من أفطر عمداً في رمضان من غير عذر، فهي من لوازم الإفطار وموجباته.
وفي عقوبة المفطر العامد، من غير عذر، خلاف وتفصيل:
فمذهب الحنفيّة أنّ تارك الصّوم كتارك الصّلاة، إذا كان عمداً كسلاً، فإنّه يحبس حتّى يصوم، وقيل: يضرب في حبسه، ولا يقتل إلاّ إذا جحد الصّوم أو الصّلاة، أو استخفّ بأحدهما.
ونقل ابن عابدين عن الشرنبلالي، أنّه لو تعمّد من لا عذر له الأكل جهاراً يقتل، لأنّه مستهزئ بالدّين، أو منكر لما ثبت منه بالضّرورة، ولا خلاف في حلّ قتله، والأمر به. وأطلق ابن جزيّ من المالكيّة في العقوبة قوله: هي للمنتهك لصوم رمضان.
وقال خليل: أدّب المفطر عمداً.
وكتب عليه الشّرّاح: أنّ من أفطر في أداء رمضان عمداً اختياراً بلا تأويل قريب، يؤدّب بما يراه الحاكم: من ضرب أو سجن أو بهما معاً، ثمّ إن كان فطره بما يوجب الحدّ، كزنىً وشرب خمر، حدّ مع الأدب، وقدّم الأدب.
وإن كان فطره يوجب رجماً، قدّم الأدب، واستظهر المسناويّ سقوط الأدب بالرّجم، لإتيان القتل على الجميع.
ومفهومه: أنّه إن كان الحدّ جلداً، فإنّه يقدّم على الأدب - كما قال الدّسوقيّ - فإن جاء المفطر عمداً، قبل الاطّلاع عليه، حال كونه تائباً، قبل الظّهور عليه، فلا يؤدّب. والشّافعيّة نصّوا - بتفصيل - على أنّ من ترك صوم رمضان، غير جاحد، من غير عذر كمرض وسفر، كأن قال: الصّوم واجب عليّ، ولكن لا أصوم حبس، ومنع من الطّعام والشّراب نهاراً، ليحصل له صورة الصّوم بذلك.
قالوا: وأمّا من جحد وجوبه فهو كافر، لأنّ وجوب صوم رمضان معلوم من أدلّة الدّين بالضّرورة: أي علماً صار كالضّروريّ في عدم خفائه على أحد، وكونه ظاهراً بين المسلمين.
[url=#TOP][/url]سادساً: قطع التّتابع
93 - التّتابع هو: الموالاة بين أيّام الصّيام، بحيث لا يفطر فيها ولا يصوم عن غير الكفّارة.
تتأثّر مدّة الصّوم الّتي يشترط فيها التّتابع نصّاً، بالفطر المتعمّد، وهي - بعدّ الكاسانيّ -: صوم رمضان، وصوم كفّارة القتل، وكفّارة الظّهار، والإفطار العامد في رمضان، وصوم كفّارة اليمين - عند الحنفيّة.
[url=#TOP][/url]
صوم المحبوس إذا اشتبه عليه شهر رمضان
94 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من اشتبهت عليه الشّهور لا يسقط عنه صوم رمضان، بل يجب لبقاء التّكليف وتوجّه الخطاب.
فإذا أخبره الثّقات بدخول شهر الصّوم عن مشاهدة أو علم وجب عليه العمل بخبرهم، وإن أخبروه عن اجتهاد منهم فلا يجب عليه العمل بذلك، بل يجتهد بنفسه في معرفة الشّهر بما يغلب على ظنّه، ويصوم مع النّيّة ولا يقلّد مجتهداً مثله.
فإن صام المحبوس المشتبه عليه بغير تحرّ ولا اجتهاد ووافق الوقت لم يجزئه، وتلزمه إعادة الصّوم لتقصيره وتركه الاجتهاد الواجب باتّفاق الفقهاء، وإن اجتهد وصام فلا يخلو الأمر من خمسة أحوال:
الحال الأولى: استمرار الإشكال وعدم انكشافه له، بحيث لا يعلم أنّ صومه صادف رمضان أو تقدّم أو تأخّر، فهذا يجزئه صومه ولا إعادة عليه في قول الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، والمعتمد عند المالكيّة، لأنّه بذل وسعه ولا يكلّف بغير ذلك، كما لو صلّى في يوم الغيم بالاجتهاد، وقال ابن القاسم من المالكيّة: لا يجزيه الصّوم، لاحتمال وقوعه قبل وقت رمضان.
الحال الثّانية: أن يوافق صوم المحبوس شهر رمضان فيجزيه ذلك عند جمهور الفقهاء، قياساً على من اجتهد في القبلة، ووافقها، وقال بعض المالكيّة: لا يجزيه لقيامه على الشّكّ، لكن المعتمد الأوّل.
الحال الثّالثة: إذا وافق صوم المحبوس ما بعد رمضان فيجزيه عند جماهير الفقهاء، إلاّ بعض المالكيّة كما تقدّم آنفاً، واختلف القائلون بالإجزاء: هل يكون صومه أداءً أو قضاءً؟ وجهان، وقالوا: إن وافق بعض صومه أيّاماً يحرم صومها كالعيدين والتّشريق يقضيها. الحال الرّابعة: وهي وجهان:
الوجه الأوّل: إذا وافق صومه ما قبل رمضان وتبيّن له ذلك ولمّا يأت رمضان لزمه صومه إذا جاء بلا خلاف، لتمكّنه منه في وقته.
الوجه الثّاني: إذا وافق صومه ما قبل رمضان ولم يتبيّن له ذلك إلاّ بعد انقضائه ففي إجزائه قولان:
القول الأوّل: لا يجزيه عن رمضان بل يجب عليه قضاؤه، وهذا مذهب المالكيّة والحنابلة، والمعتمد عند الشّافعيّة.
القول الثّاني: يجزئه عن رمضان، كما لو اشتبه على الحجّاج يوم عرفة فوقفوا قبله، وهو قول بعض الشّافعيّة.
الحال الخامسة: أن يوافق صوم المحبوس بعض رمضان دون بعض، فما وافق رمضان أو بعده أجزأه، وما وافق قبله لم يجزئه، ويراعى في ذلك أقوال الفقهاء المتقدّمة. والمحبوس إذا صام تطوّعاً أو نذراً فوافق رمضان لم يسقط عنه صومه في تلك السّنة، لانعدام نيّة صوم الفريضة، وهو مذهب الحنابلة والشّافعيّة والمالكيّة.
وقال الحنفيّة: إنّ ذلك يجزيه ويسقط عنه الصّوم في تلك السّنة، لأنّ شهر رمضان ظرف لا يسع غير صوم فريضة رمضان، فلا يزاحمها التّطوّع والنّذر.
[url=#TOP][/url]
صوم المحبوس إذا اشتبه عليه نهار رمضان بليله
95 - إذا لم يعرف الأسير أو المحبوس في رمضان النّهار من اللّيل، واستمرّت عليه الظّلمة، فقد قال النّوويّ: هذه مسألة مهمّة قلّ من ذكرها، وفيها ثلاثة أوجه للصّواب: أحدها: يصوم ويقضي لأنّه عذر نادر.
الثّاني: لا يصوم، لأنّ الجزم بالنّيّة لا يتحقّق مع جهالة الوقت.
الثّالث: يتحرّى ويصوم ولا يقضي إذا لم يظهر خطؤه فيما بعد، وهذا هو الرّاجح.
ونقل النّوويّ وجوب القضاء على المحبوس الصّائم بالاجتهاد إذا صادف صومه اللّيل ثمّ عرف ذلك فيما بعد، وقال: إنّ هذا ليس موضع خلاف بين العلماء، لأنّ اللّيل ليس وقتاً للصّوم كيوم العيد.
85 - حصر الفقهاء الآثار المترتّبة على الإفطار في أمور، منها: القضاء، والكفّارة الكبرى، والكفّارة الصّغرى - وهذه هي الفدية - والإمساك بقيّة النّهار، وقطع التّتابع، والعقوبة.
[url=#TOP][/url]أوّلاً: القضاء
86 - من أفطر أيّاماً من رمضان - كالمريض والمسافر - قضى بعدّة ما فاته، لأنّ القضاء يجب أن يكون بعدّة ما فاته، لقوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
ومن فاته صوم رمضان كلّه، قضى الشّهر كلّه، سواء ابتدأه من أوّل الشّهر أو من أثنائه، كأعداد الصّلوات الفائتة.
قال الأبيّ: القضاء لما فات من رمضان بالعدد: فمن أفطر رمضان كلّه، وكان ثلاثين، وقضاه في شهر بالهلال، وكان تسعةً وعشرين يوماً، صام يوماً آخر. وإن فاته صوم رمضان وهو تسعة وعشرون يوماً، وقضاه في شهر - وكان ثلاثين يوماً - فلا يلزمه صوم اليوم الأخير، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
وقال ابن وهب: إن صام بالهلال، كفاه ما صامه، ولو كان تسعةً وعشرين، ورمضان ثلاثين.
وكذا قال القاضي من الحنابلة: إن قضى شهراً هلاليّاً أجزأه، سواء كان تامّاً أو ناقصاً وإن لم يقض شهراً، صام ثلاثين يوماً. وهو ظاهر كلام الخرقيّ.
قال المجد: وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وقال: هو أشهر.
ويجوز أن يقضي يوم شتاء عن يوم صيف، ويجوز عكسه، بأن يقضي يوم صيف عن يوم شتاء، وهذا لعموم الآية المذكورة وإطلاقها.
وقضاء رمضان يكون على التّراخي. لكن الجمهور قيّدوه بما إذا لم يفت وقت قضائه، بأن يهلّ رمضان آخر، لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: » كان يكون عليّ الصّوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلاّ في شعبان، لمكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم «. كما لا يؤخّر الصّلاة الأولى إلى الثّانية.
ولا يجوز عند الجمهور تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر، من غير عذر يأثم به، لحديث عائشة هذا، فإن أخّر فعليه الفدية: إطعام مسكين لكلّ يوم، لما روي عن ابن عبّاس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتّى أدركه رمضان آخر: عليه القضاء وإطعام مسكين لكلّ يوم، وهذه الفدية للتّأخير، أمّا فدية المرضع ونحوها فلفضيلة الوقت، وفدية الهرم لأصل الصّوم، ويجوز الإطعام قبل القضاء ومعه وبعده.
ومذهب الحنفيّة، وهو وجه محتمل عند الحنابلة: إطلاق التّراخي بلا قيد، فلو جاء رمضان آخر، ولم يقض الفائت، قدّم صوم الأداء على القضاء، حتّى لو نوى الصّوم عن القضاء لم يقع إلاّ عن الأداء، ولا فدية عليه بالتّأخير إليه، لإطلاق النّصّ، وظاهر قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
وعند غير الحنفيّة يحرم التّطوّع بالصّوم قبل قضاء رمضان، ولا يصحّ تطوّعه بالصّوم قبل قضاء ما عليه من رمضان، بل يبدأ بالفرض حتّى يقضيه، وإن كان عليه نذر صامه بعد الفرض، لأنّ الصّوم عبادة متكرّرة، فلم يجز تأخير الأولى عن الثّانية، كالصّلوات المفروضة.
[url=#TOP][/url]
مسائل تتعلّق بالقضاء
[url=#TOP][/url]
الأولى
87 - إن أخّر قضاء رمضان - وكذا النّذر والكفّارة - لعذر، بأن استمرّ مرضه أو سفره المباح إلى موته، ولم يتمكّن من القضاء، فلا شيء عليه، ولا تدارك للغائب بالفدية ولا بالقضاء، لعدم تقصيره، ولا إثم به، لأنّه فرض لم يتمكّن منه إلى الموت، فسقط حكمه، كالحجّ، ولأنّه يجوز تأخير رمضان بهذا العذر أداءً، فتأخير القضاء أولى، كما يقول النّوويّ.
وسواء استمرّ العذر إلى الموت، أم حصل الموت في رمضان، ولو بعد زوال العذر كما قال الشّربينيّ الخطيب.
وقال أبو الخطّاب: يحتمل أن يجب الصّوم عنه أو التّكفير
[url=#TOP][/url]
الثّانية:
88 - لو أفطر بعذر واتّصل العذر بالموت فقد اتّفق الفقهاء على أنّه لا يصام عنه ولا كفّارة فيه، لأنّه فرض لم يتمكّن من فعله إلى الموت فسقط حكمه، كالحجّ.
أمّا إذا زال العذر وتمكّن من القضاء، ولم يقض حتّى مات ففيه تفصيل:
فذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في المذهب، وهو الأصحّ والجديد عند الشّافعيّة - إلى أنّه لا يصام عنه، لأنّ الصّوم واجب بأصل الشّرع لا يقضى عنه، لأنّه لا تدخله النّيابة في الحياة فكذلك بعد الممات كالصّلاة.
وذهب الشّافعيّة في القديم، وهو المختار عند النّوويّ، وهو قول أبي الخطّاب من الحنابلة إلى أنّه يجوز لوليّه أن يصوم عنه، زاد الشّافعيّة: ويصحّ ذلك، ويجزئه عن الإطعام، وتبرأ به ذمّة الميّت ولا يلزم الوليّ الصّوم بل هو إلى خيرته، لحديث عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: » من مات وعليه صيام صام عنه وليّه «.
أمّا في وجوب الفدية فقد اختلفوا فيه على النّحو التّالي:
قال الحنفيّة: لو أخّر قضاء رمضان بغير عذر، ثمّ مات قبل رمضان آخر أو بعده، ولم يقض لزمه الإيصاء بكفّارة ما أفطره بقدر الإقامة من السّفر والصّحّة من المرض وزوال العذر، ولا يجب الإيصاء بكفّارة ما أفطره على من مات قبل زوال العذر.
وذهب الشّافعيّة - في الجديد - إلى أنّه يجب في تركته لكلّ يوم مدّ من طعام.
وذهب الحنابلة في المذهب إلى الإطعام عنه لكلّ يوم مسكيناً.
والظّاهر من مذهب المالكيّة: وجوب مدّ عن كلّ يوم أفطره إذا فرّط، بأن كان صحيحاً مقيماً خالياً من الأعذار.
[url=#TOP][/url]
ثانياً: الكفّارة الكبرى
89 - ثبتت الكفّارة الكبرى بالنّصّ في حديث الأعرابيّ الّذي واقع زوجته في نهار رمضان. ولا خلاف بين الفقهاء في وجوبها بإفساد الصّوم بالوقاع في الجملة، وإنّما الخلاف في وجوبها بإفساده بالطّعام والشّراب: فتجب - في الجملة أيضاً - بإفساد صوم رمضان خاصّةً، طائعاً متعمّداً غير مضطرّ، قاصداً انتهاك حرمة الصّوم، من غير سبب مبيح للفطر.
وقال الحنفيّة: إنّما يكفّر إذا نوى الصّيام ليلاً، ولم يكن مكرهاً، ولم يطرأ مسقط، كمرض وحيض.
فلا كفّارة في الإفطار في غير رمضان، ولا كفّارة على النّاسي والمكره - عند الجمهور - ولا على النّفساء والحائض والمجنون، ولا على المريض والمسافر، ولا على المرهق بالجوع والعطش، ولا على الحامل، لعذرهم.
ولا على المرتدّ، لأنّه هتك حرمة الإسلام، لا حرمة الصّيام خصوصاً.
فتجب بالجماع عمداً، لا ناسياً - خلافاً لأحمد وابن الماجشون من المالكيّة - وتجب بالأكل والشّرب عمداً، خلافاً للشّافعيّ وأحمد، وتقدّمت موجبات أخرى مختلف فيها، كالإصباح بنيّة الفطر، ورفض النّيّة نهاراً والاستقاء العامد، وابتلاع ما لا يغذّي عمداً.
أمّا خصال الكفّارة فهي: العتق والصّيام والإطعام، وهذا بالاتّفاق بين الفقهاء، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: » بينما نحن جلوس عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول اللّه، هلكت، قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبةً تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستّين مسكيناً؟ قال: لا، قال: فمكث النّبيّ صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك، أتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيها تمر، قال: أين السّائل؟ فقال: أنا، قال: خذ هذا فتصدّق به، فقال الرّجل: على أفقر منّي يا رسول اللّه، فواللّه ما بين لابتيها - يريد الحرّتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتّى بدت أنيابه، ثمّ قال: أطعمه أهلك «.
قال ابن تيميّة الجدّ في تعليقه على هذا الحديث: وفيه دلالة قويّة على التّرتيب.
قالوا: فكفّارته ككفّارة الظّهار، لكنّها ثابتة بالكتاب، وأمّا هذه فبالسّنّة.
وقال الشّوكانيّ: ظاهر الحديث أنّ الكفّارة بالخصال الثّلاث على التّرتيب.
قال ابن العربيّ: لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نقله من أمر بعد عدمه إلى أمر آخر، وليس هذا شأن التّخيير.
وقال البيضاويّ: إنّ ترتيب الثّاني على الأوّل، والثّالث على الثّاني، بالفاء يدلّ على عدم التّخيير، مع كونها في معرض البيان وجواب السّؤال، فنزل منزلة الشّرط وإلى القول بالتّرتيب ذهب الجمهور. وأنّها ككفّارة الظّهار: فيعتق أوّلاً، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً، لهذا الحديث.
[url=#TOP][/url]
ثالثاً: الكفّارة الصّغرى
90 - الكفّارة الصّغرى: هي الفدية، وتقدّم أنّها مدّ من طعام لمسكين إذا كان من البرّ، أو نصف صاع إذا كان من غيره، وذلك عن كلّ يوم، وهي عند الحنفيّة كالفطرة قدراً، وتكفي فيها الإباحة، ولا يشترط التّمليك هنا، بخلاف الفطرة.
وتجب على من أخّر قضاء رمضان حتّى دخل رمضان آخر، وعلى الحامل والمرضع والشّيخ الهرم.
وينظر التّفصيل في مصطلح: (فدية).
[url=#TOP][/url]
رابعاً: الإمساك لحرمة شهر رمضان
91 - من لوازم الإفطار في رمضان: الإمساك لحرمة الشّهر، قال النّوويّ: وهو من خواصّ رمضان، كالكفّارة، فلا إمساك على متعدّ بالفطر، وفي نذر أو قضاء وفيه خلاف وتفصيل وتفريع في المذاهب الفقهيّة:
فالحنفيّة وضعوا أصلين لهذا الإمساك:
أوّلهما: أنّ كلّ من صار في آخر النّهار بصفة، لو كان في أوّل النّهار عليها للزمه الصّوم، فعليه الإمساك.
ثانيهما: كلّ من وجب عليه الصّوم، لوجود سبب الوجوب والأهليّة، ثمّ تعذّر عليه المضيّ، بأن أفطر متعمّداً، أو أصبح يوم الشّكّ مفطراً، ثمّ تبيّن أنّه من رمضان، أو تسحّر على ظنّ أنّ الفجر لم يطلع، ثمّ تبيّن طلوعه، فإنّه يجب عليه الإمساك تشبّهاً على الأصحّ، لأنّ الفطر قبيح، وترك القبيح واجب شرعاً، وقيل: يستحبّ.
وأجمع الحنفيّة على أنّه لا يجب على الحائض والنّفساء والمريض والمسافر هذا الإمساك. وأجمعوا على وجوبه على من أفطر عمداً، أو خطأً، أو أفطر يوم الشّكّ ثمّ تبيّن أنّه من رمضان، وكذا على مسافر أقام، وحائض ونفساء طهرتا، ومجنون أفاق، ومريض صحّ، ومفطر ولو مكرهاً أو خطأً، وصبيّ بلغ، وكافر أسلم.
وقال ابن جزيّ من المالكيّة: وأمّا إمساك بقيّة اليوم، فيؤمر به من أفطر في رمضان خاصّةً، عمداً أو نسياناً، لا من أفطر لعذر مبيح ثمّ زال العذر مع العلم برمضان، فإنّه لا يندب له الإمساك، كمن اضطرّ للفطر في رمضان، من شدّة جوع أو عطش فأفطر، وكحائض ونفساء طهرتا نهاراً، ومريض صحّ نهاراً، ومرضع مات ولدها، ومسافر قدم، ومجنون أفاق، وصبيّ بلغ نهاراً، فلا يندب الإمساك منهم.
وقيّد العلم برمضان، احتراز عمّن أفطر ناسياً، وعمّن أفطر يوم الشّكّ ثمّ ثبت أنّه من رمضان، فإنّه يجب الإمساك، كصبيّ بيّت الصّوم، واستمرّ صائماً حتّى بلغ، فإنّه يجب عليه الإمساك، لانعقاد صومه له نافلةً، أو أفطر ناسياً قبل بلوغه فيجب عليه بعد الإمساك، وإن لم يجب القضاء على الصّبيّ في هاتين الصّورتين.
ونصّوا كذلك على أنّ من أكره على الفطر، فإنّه يجب عليه الإمساك، بعد زوال الإكراه قالوا: لأنّ فعله قبل زوال العذر، لا يتّصف بإباحة ولا غيرها.
ونصّوا على أنّه يندب إمساك بقيّة اليوم لمن أسلم، لتظهر عليه علامة الإسلام بسرعة، ولم يجب، تأليفاً له للإسلام، كما ندب قضاؤه، ولم يجب لذلك.
والشّافعيّة بعد أن نصّوا على أنّ الإمساك تشبّهاً من خواصّ رمضان، كالكفّارة، وأنّ من أمسك تشبّهاً ليس في صوم وضعوا هذه القاعدة، وهي: أنّ الإمساك يجب على كلّ متعدّ بالفطر في رمضان، سواء أكل أو ارتدّ أو نوى الخروج من الصّوم - وقلنا إنّه يخرج بذلك- كما يجب على من نسي النّيّة من اللّيل، وهو غير واجب على من أبيح له الفطر إباحةً حقيقيّةً، كالمسافر إذا قدم، والمريض إذا برئ بقيّة النّهار.
ونظروا بعد ذلك في هذه الأحوال:
المريض والمسافر، اللّذان يباح لهما الفطر، لهما ثلاثة أحوال:
الأولى: أن يصبحا صائمين، ويدوما كذلك إلى زوال العذر، فالمذهب لزوم إتمام الصّوم. الثّانية: أن يزول العذر بعد ما أفطر، فلا يجب الإمساك، لكن يستحبّ لحرمة الوقت - كما يقول المحلّيّ - فإن أكلا أخفياه، لئلاّ يتعرّضا للتّهمة وعقوبة السّلطان، ولهما الجماع بعد زوال العذر، إذا لم تكن المرأة صائمةً، بأن كانت صغيرةً، أو طهرت من الحيض ذلك اليوم.
الثّالثة: أن يصبحا غير ناويين، ويزول العذر قبل أن يأكلا، ففي المذهب قولان:
لا يلزمهما الإمساك في المذهب، لأنّ من أصبح تاركاً للنّيّة فقد أصبح مفطراً، فكان كما لو أكل وقيل: يلزمهما الإمساك حرمةً لليوم.
وإذا أصبح يوم الشّكّ مفطراً غير صائم، ثمّ ثبت أنّه من رمضان، فقضاؤه واجب، ويجب إمساكه على الأظهر، وقيل: لا يلزمه، لعذره.
أمّا لو بان أنّه من رمضان قبل الأكل: فقد حكى المتولّي في لزوم الإمساك القولين، وجزم الماورديّ وجماعة بلزومه.
قال القليوبيّ وهو المعتمد.
وإذا بلغ صبيّ مفطراً أو أفاق مجنون، أو أسلم كافر أثناء يوم من رمضان ففيه أوجه: أصحّها أنّه لا يلزمهم إمساك بقيّة النّهار لأنّه يلزمهم قضاؤه، والثّاني: أنّه يلزمهم، بناءً على لزوم القضاء.
والثّالث: يلزم الكافر دونهما، لتقصيره.
والرّابع: يلزم الكافر والصّبيّ لتقصيرهما، أو لأنّهما مأموران على الجملة - كما يقول الغزاليّ - دون المجنون.
قال المحلّيّ: لو بلغ الصّبيّ بالنّهار صائماً، بأن نوى ليلاً، وجب عليه إتمامه بلا قضاء، وقيل: يستحبّ إتمامه، ويلزمه القضاء، لأنّه لم ينو الفرض.
والحائض والنّفساء إذا طهرتا في أثناء النّهار، فالمذهب أنّه لا يلزمهما الإمساك، ونقل الإمام الاتّفاق عليه.
وفي مذهب الحنابلة هذه القاعدة بفروعها:
من صار في أثناء يوم من رمضان أهلاً للوجوب لزمه إمساك ذلك اليوم وقضاؤه لحرمة الوقت، ولقيام البيّنة فيه بالرّؤية، ولإدراكه جزءاً من وقته كالصّلاة.
وكذا كلّ من أفطر والصّوم يجب عليه، فإنّه يلزمه الإمساك والقضاء، كالفطر لغير عذر، ومن أفطر يظنّ أنّ الفجر لم يطلع وكان قد طلع، أو يظنّ أنّ الشّمس قد غابت ولم تغب، أو النّاسي للنّيّة، فكلّهم يلزمهم الإمساك، قال ابن قدامة: لا نعلم بينهم فيه اختلافاً. أو تعمّدت مكلّفة الفطر، ثمّ حاضت أو نفست، أو تعمّد الفطر مقيم ثمّ سافر، فكلّهم يلزمهم الإمساك والقضاء، لما سبق.
فأمّا من يباح له الفطر في أوّل النّهار ظاهراً وباطناً كالحائض والنّفساء والمسافر والصّبيّ والمجنون والكافر والمريض إذا زالت أعذارهم في أثناء النّهار، فطهرت الحائض والنّفساء، وأقام المسافر، وبلغ الصّبيّ، وأفاق المجنون، وأسلم الكافر، وصحّ المريض، ففيهم روايتان:
إحداهما: يلزمهم الإمساك بقيّة اليوم، لأنّه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصّيام، فإذا طرأ بعد الفجر أوجب الإمساك، كقيام البيّنة بالرّؤية.
واقتصر على موجب هذه الرّواية البهوتيّ، في كشّافه وروضه.
والأخرى: لا يلزمهم الإمساك، لأنّه روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنّه قال: من أكل أوّل النّهار، فليأكل آخره.
ولأنّه أبيح له الفطر أوّل النّهار ظاهراً وباطناً، فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر النّهار، كما لو دام العذر.
قال ابن قدامة: فإذا جامع أحد هؤلاء، بعد زوال عذره، انبنى على الرّوايتين، في وجوب الإمساك:
1 - فإن قلنا: يلزمه الإمساك، فحكمه حكم من قامت البيّنة بالرّؤية في حقّه إذا جامع.
2 - وإن قلنا: لا يلزمه الإمساك، فلا شيء عليه.
وقد روي عن جابر بن يزيد: أنّه قدم من سفره فوجد امرأته قد طهرت من حيض، فأصابها.
[url=#TOP][/url]
خامساً: العقوبة
92 - يراد بالعقوبة هنا: الجزاء المترتّب على من أفطر عمداً في رمضان من غير عذر، فهي من لوازم الإفطار وموجباته.
وفي عقوبة المفطر العامد، من غير عذر، خلاف وتفصيل:
فمذهب الحنفيّة أنّ تارك الصّوم كتارك الصّلاة، إذا كان عمداً كسلاً، فإنّه يحبس حتّى يصوم، وقيل: يضرب في حبسه، ولا يقتل إلاّ إذا جحد الصّوم أو الصّلاة، أو استخفّ بأحدهما.
ونقل ابن عابدين عن الشرنبلالي، أنّه لو تعمّد من لا عذر له الأكل جهاراً يقتل، لأنّه مستهزئ بالدّين، أو منكر لما ثبت منه بالضّرورة، ولا خلاف في حلّ قتله، والأمر به. وأطلق ابن جزيّ من المالكيّة في العقوبة قوله: هي للمنتهك لصوم رمضان.
وقال خليل: أدّب المفطر عمداً.
وكتب عليه الشّرّاح: أنّ من أفطر في أداء رمضان عمداً اختياراً بلا تأويل قريب، يؤدّب بما يراه الحاكم: من ضرب أو سجن أو بهما معاً، ثمّ إن كان فطره بما يوجب الحدّ، كزنىً وشرب خمر، حدّ مع الأدب، وقدّم الأدب.
وإن كان فطره يوجب رجماً، قدّم الأدب، واستظهر المسناويّ سقوط الأدب بالرّجم، لإتيان القتل على الجميع.
ومفهومه: أنّه إن كان الحدّ جلداً، فإنّه يقدّم على الأدب - كما قال الدّسوقيّ - فإن جاء المفطر عمداً، قبل الاطّلاع عليه، حال كونه تائباً، قبل الظّهور عليه، فلا يؤدّب. والشّافعيّة نصّوا - بتفصيل - على أنّ من ترك صوم رمضان، غير جاحد، من غير عذر كمرض وسفر، كأن قال: الصّوم واجب عليّ، ولكن لا أصوم حبس، ومنع من الطّعام والشّراب نهاراً، ليحصل له صورة الصّوم بذلك.
قالوا: وأمّا من جحد وجوبه فهو كافر، لأنّ وجوب صوم رمضان معلوم من أدلّة الدّين بالضّرورة: أي علماً صار كالضّروريّ في عدم خفائه على أحد، وكونه ظاهراً بين المسلمين.
[url=#TOP][/url]سادساً: قطع التّتابع
93 - التّتابع هو: الموالاة بين أيّام الصّيام، بحيث لا يفطر فيها ولا يصوم عن غير الكفّارة.
تتأثّر مدّة الصّوم الّتي يشترط فيها التّتابع نصّاً، بالفطر المتعمّد، وهي - بعدّ الكاسانيّ -: صوم رمضان، وصوم كفّارة القتل، وكفّارة الظّهار، والإفطار العامد في رمضان، وصوم كفّارة اليمين - عند الحنفيّة.
[url=#TOP][/url]
صوم المحبوس إذا اشتبه عليه شهر رمضان
94 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من اشتبهت عليه الشّهور لا يسقط عنه صوم رمضان، بل يجب لبقاء التّكليف وتوجّه الخطاب.
فإذا أخبره الثّقات بدخول شهر الصّوم عن مشاهدة أو علم وجب عليه العمل بخبرهم، وإن أخبروه عن اجتهاد منهم فلا يجب عليه العمل بذلك، بل يجتهد بنفسه في معرفة الشّهر بما يغلب على ظنّه، ويصوم مع النّيّة ولا يقلّد مجتهداً مثله.
فإن صام المحبوس المشتبه عليه بغير تحرّ ولا اجتهاد ووافق الوقت لم يجزئه، وتلزمه إعادة الصّوم لتقصيره وتركه الاجتهاد الواجب باتّفاق الفقهاء، وإن اجتهد وصام فلا يخلو الأمر من خمسة أحوال:
الحال الأولى: استمرار الإشكال وعدم انكشافه له، بحيث لا يعلم أنّ صومه صادف رمضان أو تقدّم أو تأخّر، فهذا يجزئه صومه ولا إعادة عليه في قول الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، والمعتمد عند المالكيّة، لأنّه بذل وسعه ولا يكلّف بغير ذلك، كما لو صلّى في يوم الغيم بالاجتهاد، وقال ابن القاسم من المالكيّة: لا يجزيه الصّوم، لاحتمال وقوعه قبل وقت رمضان.
الحال الثّانية: أن يوافق صوم المحبوس شهر رمضان فيجزيه ذلك عند جمهور الفقهاء، قياساً على من اجتهد في القبلة، ووافقها، وقال بعض المالكيّة: لا يجزيه لقيامه على الشّكّ، لكن المعتمد الأوّل.
الحال الثّالثة: إذا وافق صوم المحبوس ما بعد رمضان فيجزيه عند جماهير الفقهاء، إلاّ بعض المالكيّة كما تقدّم آنفاً، واختلف القائلون بالإجزاء: هل يكون صومه أداءً أو قضاءً؟ وجهان، وقالوا: إن وافق بعض صومه أيّاماً يحرم صومها كالعيدين والتّشريق يقضيها. الحال الرّابعة: وهي وجهان:
الوجه الأوّل: إذا وافق صومه ما قبل رمضان وتبيّن له ذلك ولمّا يأت رمضان لزمه صومه إذا جاء بلا خلاف، لتمكّنه منه في وقته.
الوجه الثّاني: إذا وافق صومه ما قبل رمضان ولم يتبيّن له ذلك إلاّ بعد انقضائه ففي إجزائه قولان:
القول الأوّل: لا يجزيه عن رمضان بل يجب عليه قضاؤه، وهذا مذهب المالكيّة والحنابلة، والمعتمد عند الشّافعيّة.
القول الثّاني: يجزئه عن رمضان، كما لو اشتبه على الحجّاج يوم عرفة فوقفوا قبله، وهو قول بعض الشّافعيّة.
الحال الخامسة: أن يوافق صوم المحبوس بعض رمضان دون بعض، فما وافق رمضان أو بعده أجزأه، وما وافق قبله لم يجزئه، ويراعى في ذلك أقوال الفقهاء المتقدّمة. والمحبوس إذا صام تطوّعاً أو نذراً فوافق رمضان لم يسقط عنه صومه في تلك السّنة، لانعدام نيّة صوم الفريضة، وهو مذهب الحنابلة والشّافعيّة والمالكيّة.
وقال الحنفيّة: إنّ ذلك يجزيه ويسقط عنه الصّوم في تلك السّنة، لأنّ شهر رمضان ظرف لا يسع غير صوم فريضة رمضان، فلا يزاحمها التّطوّع والنّذر.
[url=#TOP][/url]
صوم المحبوس إذا اشتبه عليه نهار رمضان بليله
95 - إذا لم يعرف الأسير أو المحبوس في رمضان النّهار من اللّيل، واستمرّت عليه الظّلمة، فقد قال النّوويّ: هذه مسألة مهمّة قلّ من ذكرها، وفيها ثلاثة أوجه للصّواب: أحدها: يصوم ويقضي لأنّه عذر نادر.
الثّاني: لا يصوم، لأنّ الجزم بالنّيّة لا يتحقّق مع جهالة الوقت.
الثّالث: يتحرّى ويصوم ولا يقضي إذا لم يظهر خطؤه فيما بعد، وهذا هو الرّاجح.
ونقل النّوويّ وجوب القضاء على المحبوس الصّائم بالاجتهاد إذا صادف صومه اللّيل ثمّ عرف ذلك فيما بعد، وقال: إنّ هذا ليس موضع خلاف بين العلماء، لأنّ اللّيل ليس وقتاً للصّوم كيوم العيد.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى