ما يفسد الصّوم ويوجب القضاء والكفّارة ( الجزء الثالث )
الأحد أغسطس 04, 2013 9:28 pm
مكروهات الصّوم
83 - يكره للصّائم بوجه عامّ - مع الخلاف - ما يلي:
أ - ذوق شيء بلا عذر، لما فيه من تعريض الصّوم للفساد، ولو كان الصّوم نفلاً، على المذهب عند الحنفيّة، لأنّه يحرم إبطال النّفل بعد الشّروع فيه، وظاهر إطلاق الكراهة يفيد أنّها تحريميّة.
ومن العذر مضغ الطّعام للولد، إذا لم تجد الأمّ منه بدّاً، فلا بأس به، ويكره إذا كان لها منه بدّ.
وليس من العذر، ذوق اللّبن والعسل لمعرفة الجيّد منه والرّديء عند الشّراء، فيكره ذلك. وكذا ذوق الطّعام، لينظر اعتداله، ولو كان لصانع الطّعام.
لكن نقل عن الإمام أحمد قوله: أحبّ إليّ أن يجتنب ذوق الطّعام، فإن فعل فلا بأس به، بل قال بعض الحنابلة: إنّ المنصوص عنه: أنّه لا بأس به لحاجة ومصلحة، واختاره ابن عقيل وغيره وإلاّ كره.
وإن وجد طعم المذوق في حلقه أفطر.
ب - ويكره مضغ العلك، الّذي لا يتحلّل منه أجزاءً، فلا يصل منه شيء إلى الجوف. ووجه الكراهة: اتّهامه بالفطر، سواء أكان رجلاً أم امرأةً، قال عليّ رضي الله تعالى عنه: إيّاك وما يسبق إلى العقول إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره.
أمّا ما يتحلّل منه أجزاء، فيحرم مضغه، ولو لم يبتلع ريقه، إقامةً للمظنّة مقام المئنّة، فإن تفتّت فوصل شيء منه إلى جوفه عمداً أفطر، وإن شكّ في الوصول لم يفطر.
ج - تكره القبلة إن لم يأمن على نفسه وقوع مفسد من الإنزال أو الجماع.
وللتّفصيل ينظر مصطلح: (تقبيل ف /17).
د - ويرى جمهور الفقهاء أنّ المباشرة والمعانقة ودواعي الوطء - كاللّمس وتكرار النّظر- حكمها حكم القبلة فيما تقدّم.
وخصّ الحنفيّة المباشرة الفاحشة، بالكراهة التّحريميّة، وهي - عندهم - أن يتعانقا، وهما متجرّدان، ويمسّ فرجه فرجها. ونصّوا على أنّ الصّحيح أنّها تكره، وإن أمن على نفسه الإنزال والجماع.
ونقل الطّحاويّ وابن عابدين عدم الخلاف في كراهتها، وكذلك القبلة الفاحشة، وهي: أن يمصّ شفتها، فيكره على الإطلاق.
هـ – الحجامة، وهي أيضاً ممّا يكره للصّائم – في الجملة – وهي استخراج الدّم المحقن من الجسم، مصّاً أو شرطاً.
ومذهب الجمهور أنّها لا تفطّر الحاجم ولا المحجوم، ولكنّهم كرهوها بوجه عامّ.
وقال الحنفيّة: لا بأس بها، إن أمن الصّائم على نفسه الضّعف، أمّا إذا خاف الضّعف، فإنّها تكره، وشرط شيخ الإسلام الكراهة، إذا كانت تورث ضعفاً يحتاج معه إلى الفطر. وقال المالكيّة: إنّ المريض والصّحيح، إذا علمت سلامتهما بالحجامة أو ظنّت، جازت الحجامة لهما، وإن علم أو ظنّ عدم السّلامة لهما حرّمت لهما، وفي حالة الشّكّ تكره للمريض، وتجوز للصّحيح.
قالوا: إنّ محلّ المنع إذا لم يخش بتأخيرها عليل هلاكاً أو شديد أذىً، وإلاّ وجب فعلها وإن أدّت للفطر، ولا كفّارة عليه.
وقال الشّافعيّة: يستحبّ الاحتراز من الحجامة، من الحاجم والمحجوم، لأنّها تضعفه.
قال الشّافعيّ في الأمّ: لو ترك رجل الحجامة صائماً للتّوقّي، كان أحبّ إليّ، ولو احتجم لم أره يفطره.
ونقل النّوويّ عن الخطّابيّ، أنّ المحجوم قد يضعف فتلحقه مشقّة، فيعجز عن الصّوم فيفطر بسببها، والحاجم قد يصل إلى جوفه شيء من الدّم.
ودليل عدم الإفطار بالحجامة، حديث: ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما: » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم «.
ودليل كراهة الحجامة حديث ثابت البنانيّ أنّه قال لأنس بن مالك: » أكنتم تكرهون الحجامة للصّائم على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، إلاّ من أجل الضّعف «.
وقالوا أيضاً: إنّه دم خارج من البدن، فأشبه الفصد.
ومذهب الحنابلة أنّ الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم، لحديث رافع بن خديج رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: » أفطر الحاجم والمحجوم «.
قال المرداويّ: ولا نعلم أحداً من الأصحاب، فرّق - في الفطر وعدمه - بين الحاجم والمحجوم.
قال الشّوكانيّ: يجمع بين الأحاديث، بأنّ الحجامة مكروهة في حقّ من كان يضعف بها، وتزداد الكراهة إذا كان الضّعف يبلغ إلى حدّ يكون سبباً للإفطار، ولا تكره في حقّ من كان لا يضعف بها، وعلى كلّ حال تجنّب الحجامة للصّائم أولى.
أمّا الفصد، فقد نصّ الحنفيّة على كراهته، كالحجامة، وكراهة كلّ عمل شاقّ، وكلّ ما يظنّ أنّه يضعف عن الصّوم، وكذلك صرّح المالكيّة والشّافعيّة بأنّ الفصادة كالحجامة.
غير أنّ الحنابلة الّذين قالوا، بالفطر في الحجامة، قالوا: لا فطر بفصد وشرط، ولا بإخراج دمه برعاف، لأنّه لا نصّ فيه، والقياس لا يقتضيه.
وفي قول لهم - اختاره الشّيخ تقيّ الدّين - إفطار المفصود دون الفاصد، كما اختار إفطار الصّائم، بإخراج دمه، برعاف وغيره.
و - وتكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق في الصّوم.
ففي المضمضة: بإيصال الماء إلى رأس الحلق، وفي الاستنشاق: بإيصاله إلى فوق المارن.
وذلك لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال له: » بالغ في الاستنشاق إلاّ أن تكون صائماً «، وذلك خشية فساد صومه.
ومن المكروهات الّتي عدّدها المالكيّة: فضول القول والعمل، وإدخال كلّ رطب له طعم - في فمه - وإن مجّه، والإكثار من النّوم في النّهار.
[url=#TOP][/url] ما لا يكره في الصّوم
84 - لا يكره للصّائم - في الجملة - ما يلي، مع الخلاف في بعضها:
أ - الاكتحال غير مكروه عند الحنفيّة والشّافعيّة، بل أجازوه، ونصّوا على أنّه لا يفطر به الصّائم ولو وجد طعمه في حلقه، قال النّوويّ: لأنّ العين ليست بجوف، ولا منفذ منها إلى الحلق.
واحتجّوا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: » اكتحل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو صائم «، وحديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: » جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: اشتكت عيني، أفأكتحل وأنا صائم؟ قال: نعم «.
وتردّد المالكيّة في الاكتحال، فقالوا: إن كان لا يتحلّل منه شيء لم يفطر، وإن تحلّل منه شيء أفطر. وقال أبو مصعب: لا يفطر. ومنعه ابن القاسم مطلقاً.
وقال أبو الحسن: إن تحقّق أنّه يصل إلى حلقه، لم يكن له أن يفعله، وإن شكّ كره، ولْيَتَمَادَ - أي يستمرّ في صومه - وعليه القضاء، فإن علم أنّه لا يصل، فلا شيء عليه. وقال مالك في المدوّنة: إذا دخل حلقه، وعلم أنّه قد وصل الكحل إلى حلقه، فعليه القضاء ولا كفّارة عليه. وإن تحقّق عدم وصوله للحلق لا شيء عليه، كاكتحاله ليلاً وهبوطه نهاراً للحلق، لا شيء عليه في شيء من ذلك.
وهذا أيضاً مذهب الحنابلة، فقد قالوا: إذا اكتحل بما يصل إلى حلقه ويتحقّق الوصول إليه فسد صومه، وهذا الصّحيح من المذهب.
واستدلّوا بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: » أمر بالإثمد المروّح عند النّوم، وقال: ليتّقه الصّائم « ولأنّ العين منفذ، لكنّه غير معتاد، وكالواصل من الأنف.
واختار الشّيخ تقيّ الدّين أنّه لا يفطر بذلك.
ب - التّقطير في العين، ودهن الأجفان، أو وضع دواء مع الدّهن في العين لا يفسد الصّوم، لأنّه لا ينافيه وإن وجد طعمه في حلقه، وهو الأصحّ عند الحنفيّة، والظّاهر من كلام الشّافعيّة أنّهم يوافقون الحنفيّة.
وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ التّقطير في العين مفسد للصّوم إذا وصل إلى الحلق، لأنّ العين منفذ وإن لم يكن معتاداً.
ج - دهن الشّارب ونحوه، كالرّأس والبطن، لا يفطر بذلك عند الحنفيّة والشّافعيّة، ولو وصل إلى جوفه بشرب المسامّ، لأنّه لم يصل من منفذ مفتوح، ولأنّه ليس فيه شيء ينافي الصّوم، ولأنّه - كما يقول المرغينانيّ -: نوع ارتفاق، وليس من محظورات الصّوم. لكن المالكيّة قالوا: من دهن رأسه نهاراً، ووجد طعمه في حلقه، أو وضع حنّاء في رأسه نهاراً، فاستطعمها في حلقه، فالمعروف في المذهب وجوب القضاء وإن قال الدّردير: لا قضاء عليه، والقاعدة عندهم: وصول مائع للحلق، ولو كان من غير الفم، مع أنّهم قالوا: لا قضاء في دهن جائفة، وهي: الجرح النّافذ للجوف، لأنّه لا يدخل مدخل الطّعام.
د - الاستياك، لا يرى الفقهاء بالاستياك بالعود اليابس أوّل النّهار بأساً، ولا يكره عند الحنفيّة والمالكيّة بعد الزّوال، وهو وجه عند الشّافعيّة في النّفل، ليكون أبعد من الرّياء، ورواية عند الحنابلة آخر النّهار. بل صرّح الأوّلون بسنّيّته آخر النّهار وأوّله، وذلك لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: » من خير خصال الصّائم السّواك «.
ولقول عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنه: » رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي، يتسوّك وهو صائم «.
وقد أطلقت هذه الأحاديث السّواك، فيسنّ ولو كان رطباً، أو مبلولاً بالماء، خلافاً لأبي يوسف في رواية كراهة الرّطب، ولأحمد في رواية كراهة المبلول بالماء، لاحتمال أن يتحلّل منه أجزاء إلى حلقه، فيفطّره، وروي عن أحمد أنّه لا يكره.
وشرط المالكيّة لجوازه أن لا يتحلّل منه شيء، فإن تحلّل منه شيء كره، وإن وصل إلى الحلق أفطر.
وذهب الشّافعيّة إلى سنّيّة ترك السّواك بعد الزّوال، وإذا استاك فلا فرق بين الرّطب واليابس، بشرط أن يحترز عن ابتلاع شيء منه أو من رطوبته.
واستحبّ أحمد ترك السّواك بالعشيّ، وقال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: » خلوف فم الصّائم أطيب عند اللّه من ريح المسك الأذفر « لتلك الرّائحة لا يعجبني للصّائم أن يستاك بالعشيّ.
وعنه روايتان في الاستياك بالعود الرّطب:
إحداهما: الكراهة - كما تقدّم - والأخرى: أنّه لا يكره، قال ابن قدامة: ولم ير أهل العلم بالسّواك أوّل النّهار بأساً، إذا كان العود يابساً.
هـ – المضمضة والاستنشاق في غير الوضوء والغسل لا يكره ذلك ولا يفطر.
وقيّده المالكيّة بما إذا كان لعطش ونحوه، وكرهوه لغير موجب، لأنّ فيه تغريراً ومخاطرةً، وذلك لاحتمال سبق شيء من الماء إلى الحلق، فيفسد الصّوم حينئذ.
وفي الحديث عن عمر رضي الله تعالى عنه: » أنّه سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصّائم؟ فقال: أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس، قال: فمه «.
ولأنّ الفم في حكم الظّاهر، لا يبطل الصّوم بالواصل إليه كالأنف والعين.
ومع ذلك، فقد قال ابن قدامة: إنّ المضمضة، إن كانت لحاجة كغسل فمه عند الحاجة إليه ونحوه، فحكمه حكم المضمضة للطّهارة، وإن كان عابثاً، أو مضمض من أجل العطش كره.
ولا بأس أن يصبّ الماء على رأسه من الحرّ والعطش، لما روي عن بعض أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: » لقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالعرج، يصبّ الماء على رأسه وهو صائم، من العطش، أو من الحرّ «.
وكذا التّلفّف بثوب مبتلّ للتّبرّد ودفع الحرّ على المفتى به - عند الحنفيّة - لهذا الحديث، ولأنّ بهذه عوناً له على العبادة، ودفعاً للضّجر والضّيق.
وكرهها أبو حنيفة، لما فيها من إظهار الضّجر في إقامة العبادة.
و - اغتسال الصّائم، فلا يكره، ولا بأس به حتّى للتّبرّد، عند الحنفيّة وذلك لما روي عن عائشة وأمّ سلمة رضي الله تعالى عنهما قالتا: » نشهد على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنباً، من غير احتلام، ثمّ يغتسل ثمّ يصوم «.
وعن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنّه دخل الحمّام وهو صائم هو وأصحاب له في شهر رمضان.
وأمّا الغوص في الماء، إذا لم يخف أن يدخل في مسامعه، فلا بأس به، وكرهه بعض الفقهاء حال الإسراف والتّجاوز أو العبث، خوف فساد الصّوم.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى