- نور الاسلامعضو مميز
- تاريخ التسجيل : 08/09/2011
الاقامة : الاسكندرية
عدد المساهمات : 348
عدد النقاط : 919
العمر : 32
المزاج : رضاك ربى غايتى
القبر : أوّل منازل الآخرة
الثلاثاء أغسطس 28, 2012 3:21 pm
: روى التّرمذي في سُننه عن هانئ مَولَى عثمان (بن عفّان) رضي الله عنهما ، أنَّه قال : كان عثمانُ إذا وقفَ على قَبرٍ بَكَى حتّى يَبَلَّ لِحْيَتَه . فقيل له : تَذكُر الجنَّةَ والنَّارَ فلا تَبكي ، وتَبكي مِن هذا ؟! فقال : إنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : إنَّ القبرَ أوَّل مَنازل الآخرة ، فإن نَجا منه ، فَما بَعدَه أيْسَر منه ، وإن لَم يَنْجُ منه ، فَما بعده أشَدّ منه .
وقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ما رأيتُ مَنظرًا قَطُّ إلاَّ القَبرُ أفظَع منه . (الجامع الصّحيح سنن التّرمذي - الجزء 4 - ص 553 - رقم الحديث 2308) .
وروى الإمام أحمد في مُسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنه ، قال : خرجْنَا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى جنازة ، فجلسَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على القَبْر ، وجلسْنَا حَوْلَه كأنَّ على رؤوسنا الطَّيْر ، وهو يلحد له ، فقال : أعوذُ بالله من عذاب القَبْر ، ثلاث مرَّات ، ثمَّ قال : إنَّ المؤمنَ إذا كانَ في إقبالٍ من الآخرة وانقطاعٍ من الدُّنيا (أي كان في لحظات الموت) ، تنزَّلتْ إليه الملائكةُ كأنَّ على وجُوههم الشَّمس، مع كلّ واحد كَفَنٌ وحنُوط .
فجلسُوا منهُ مَدَّ البَصَر ، حتَّى إذا خرجتْ روحُه صلَّى عليه كلُّ مَلَكٍ بينَ السَّماء والأرض وكلُّ مَلَكٍ في السَّماء، وفُتِحتْ له أبوابُ السَّماء ، ليس من أهْلِ بابٍ إلاَّ وهُم يَدْعُون اللهَ أن يُعْرَج برُوحه من قِبَلِهم . فإذا عُرِجَ برُوحه ، قالُوا : رَبّ ، عَبْدُكَ فُلان ، فيقُول : أَرْجِعُوه ، فإنّي عهدْتُ إليهم أنّي منها خلَقْتُهم وفيها أُعِيدُهم ومنها أُخْرِجُهم تارةً أخْرَى .
قال النَّبيّ : فإنَّه (أي الميّتُ المؤمن) يَسْمعُ خَفْقَ نِعَال أصحابه إذا وَلَّوْا عنه (أي مُباشرةً بعد دَفنه) ، فيَأْتيه آتٍ فيقول : مَنْ رَبُّك ؟ ما دِينُك ؟ مَنْ نَبيُّك ؟
(وفي رواية للبخاري عن أنَس رضي الله عنه ، قال : أتاه ملَكان فأقْعَداه . وكذلك في روايات أخرى ، أنَّ الآتِ هو : مَلَكَان) .
فيقولُ (أي الميّتُ المؤمن) : رَبّيَ الله ، ودِيني الإسلام ، ونَبيّي محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم .
فيَنْتَهِرُه (أي الآتِ) ، فيقول له : مَنْ رَبُّك ؟ ما دِينُك ؟ مَنْ نَبيُّك ؟
قالَ النَّبيّ : وهي آخر فِتْنَة تُعرَضُ على المؤمن ، فذلك حين يقول الله عزَّ وجلَّ : { يُثبِّتُ الله الذينَ آمنُوا بالقَوْل الثَّابِت في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة } (14- إبراهيم 27) .
فيقولُ (أي الميّتُ المؤمن) : رَبّيَ الله ، ودِيني الإسلام ، ونَبيّي محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .
فيقولُ له (أي الآتِ) : صَدَقْت .
ثمَّ يأتيه آتٍ حَسَن الوَجْه ، طيّب الرّيح (أي طيّب الرَّائحة) ، حَسَن الثّياب ، فيقول : أبْشِرْ بكَرامةٍ من الله ونَعيم مُقيم .
فيقول (أي الميّتُ المؤمن) : وأنتَ ، فبَشَّركَ اللهُ بِخَيْر ، مَنْ أنت ؟!
فيقول : أنا عمَلُكَ الصَّالح ، كنتَ واللهِ سريعًا في طاعة الله ، بطيئًا عن معصِيَة الله ، فجزاكَ الله خيرًا .
ثمَّ يُفتَحُ له بابٌ من الجنَّة وبابٌ من النَّار ، فيُقال : هذا كان منزلك (أي في النَّار) لَو عصَيْتَ الله ، أبْدَلَكَ الله به هذا (أي في الجنَّة) .
فإذا رأى ما في الجنَّة ، قال : رَبّ عَجّلْ قِيَامَ السَّاعة كي أرْجع إلى أهلي ومالي . فيُقالُ له : اسكن .
قال النَّبيّ : وإنَّ الكافرَ إذا كانَ في انقطاعٍ من الدُّنْيا وإقبالٍ من الآخرة (أي في لحظات الموت) ، نزلَتْ عليه ملائكةٌ غِلاظٌ شِدادٌ ، فانْتَزعُوا روحَه كما يُنْتَزع السَّفُّود الكثير الشّعب من الصُّوف المبْتَلّ ، وتُنْزَعُ نَفْسُه مع العُرُوق ، فيَلْعَنُه كلُّ مَلَكٍ بين السَّماء والأرض وكلُّ مَلَكٍ في السَّماء ، وتُغْلَق أبوابُ السَّماء ، ليسَ من أهل بابٍ إلاَّ وهُم يَدْعُون اللهَ أن لا تُعرجَ روحُه من قِبَلِهم ! فإذا عُرِجَ برُوحه ، قالُوا : رَبّ ، فُلان ابن فُلان ، عَبْدُك .
قال : أَرْجِعُوه ، فإنّي عهدْتُ إليهم أنّي منها خلَقْتُهم ، وفيها أُعِيدُهم ، ومنها أُخْرِجُهم تارةً أخرى .
قال النَّبيّ : فإنَّه (أي الميّتُ الكافر) لَيَسْمعُ خَفْقَ نِعَال أصحابه إذا وَلَّوْا عنه (أي مُباشرةً بعد دَفنه) ، فيَأْتيه آتٍ (وهُما الملَكان) فيقول : مَنْ رَبُّك ؟ ما دِينُك ؟ مَنْ نَبيُّك ؟
فيقول (أي الميّتُ الكافر) : لا أدْري !
فيقول (أي الملَكان) : لا دَرَيْتَ ولا تلَوْت !
ويأتيه آتٍ قبيح الوجه ، قبيح الثّياب ، منتن الرّيح (أي منتن الرَّائحة) ، فيقول : أبْشِرْ بِهَوانٍ من الله وعذابٍ مُقيم !
فيقول (أي الميّتُ الكافر) : وأنتَ ، فبشَّركَ اللهُ بالشَّرّ ، مَنْ أنت ؟!
فيقول : أنا عمَلُك الخبيث ، كنتَ بطيئًا عن طاعة الله ، سريعًا في معصية الله ، فجزاكَ الله شرّا .
قال النَّبيّ : ثمَّ يُقَيَّضُ له (أي للمَيّت الكافر) أعمى (أي مخلوقٌ أعمى) ، أصَمّ ، أبْكَم ، في يَدِه مرزبة ، لو ضربَ بها جبلاً لكانَ تُرابًا . فيضْربه ضربةً حتَّى يصير ترابًا . ثمَّ يُعيده اللهُ كما كان ، فيضْربه ضربة أخرى ، فيصيحُ صيحةً يَسمعه كلُّ شيء إلاَّ الثَّقلين .
ثمَّ يُفتَح له (أي للمَيّت الكافر) بابٌ من النَّار ، ويُمهَّدُ من فُرُش النَّار . (مسند الإمام أحمد بن حنبل - الجزء 4 - ص 295 - رقم الحديث 18637) .
وقد ثبتَ في القرآن والسُّنَّة أنَّ الميّتَ يُنَعَّم في قبره أو يُعذَّب . يقول الله تعالى في آل فرعون : { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ 45 النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ 46 } (40- غافر 46) .
قال العلماء : إنّ هذا العرضَ على النَّار هو في البرزخ ، أي في القبر، قبل يوم الحساب . لذلك قال تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ 46 } ، أي أنّ هذا هو عذاب الآخرة ، والعرض هو عذاب القبر .
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها ، أنَّ يَهوديَّة دخلَتْ عليها فذَكَرَتْ عذابَ القبر ، فقالتْ لها : أعاذَكِ الله من عذاب القبر . فسألَتْ عائشةُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن عذاب القبر ، فقال : نعم ، عذابُ القبر حَقٌّ .
قالتْ عائشة رضي الله تعالى عنها : فَمَا رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعدُ صلَّى صلاةً ، إلاَّ تَعوَّذَ من عذاب القبر . (الجامع الصّحيح المختصر - الجزء 1 - ص 462 - رقم الحديث 1306) .
وروى الإمام البخاري أيضًا في صحيحه عن ابن عبّاس رضي الله عنه ، أنَّه قال : مَرَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على قَبْرَيْن ، فقال : إنَّهما لَيُعَذَّبان ، وما يُعذَّبان في كبير : أمَّا هذا فكانَ لا يَسْتَتِرُ من بَوْلِه ، وأمَّا هذا فكان يَمشي بالنَّميمة .
ثمّ دَعا بِعسيب رَطْب ، فَشَقَّه باثْنَيْن ، فغرسَ على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا ، ثمّ قال : لَعَلَّه يُخفّف عنهما ، ما لَم يَيْبَسَا . (الجامع الصّحيح المختصر - الجزء 5 - ص 2249 - رقم الحديث 5705) .
قد يقول البعض : ولكن لو كشَفنا القبرَ عن ميّت ، لَوَجدنا القبر على حاله ، لم يَضِقْ ولَم يَتَّسِعْ ، ولَما رأيْنا فيه نارًا ولا خُضْرة ، ولَما رأينا الميّتَ يُعذَّب أو يُنعَّم ؟!
وماذا عن الذي يَغرق في البحر وتأكله الحيتان ، كيف سيُسألُ في القبر ويُعذَّب أو يُنعَّم ، وقد تفرَّقَت أعضاءه أَشلاء في كلّ مكان ؟!
يُجيب العلماء عن هذه التّساؤلات بقولهم : عندما تنام بعضَ الوقت ثمّ تستيقظ ونسألُكَ عن حالك ، فإنَّك تُجيبُ بأنَّك خلال نومكَ سافرتَ بالقطار إلى المدينة الفلانيَّة ، وقُمتَ بالعمل الفلاني ، وصعدتَ ونزلتَ ، واصطدم رأسُكَ بالحائط فبكيت ، مع أنَّ مَن كان مستيقظًا بجانبك لَم يلحظْ أيّ شيء ، وكلّ ما شاهده هو أنَّك كنتَ ممدَّدًا على سريرك ، مغمض العينين ، تتقلَّب من حين لآخر يَمنة أو يَسرة .
فكذلك الحالُ إذًا بالنّسبة للميّت : فهو يُسأل ، ويُعذَّب أو يُنعَّم ، سواء في قبره ، أو تتَّصل روحُه بجميع أعضائه المفرَّقة في قاع المحيط أو في بطن الحيتان ، ونحن لا نَرى ولا نسمع ولا نشعر بأيّ شيء من ذلك .
من الخطأ إذًا أن نَقيس عالَم البرزخ وعالَم الآخرة بنفس المقاييس التي نستعملُها في الدُّنيا . فالحواسُّ هناك هي غير الحواسّ هنا ، وما نراه ونسمعهُ هناك لا يمكن أن نراه ونسمعهُ بحواسّنا الدُّنيويَّة .
وقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ما رأيتُ مَنظرًا قَطُّ إلاَّ القَبرُ أفظَع منه . (الجامع الصّحيح سنن التّرمذي - الجزء 4 - ص 553 - رقم الحديث 2308) .
وروى الإمام أحمد في مُسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنه ، قال : خرجْنَا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى جنازة ، فجلسَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على القَبْر ، وجلسْنَا حَوْلَه كأنَّ على رؤوسنا الطَّيْر ، وهو يلحد له ، فقال : أعوذُ بالله من عذاب القَبْر ، ثلاث مرَّات ، ثمَّ قال : إنَّ المؤمنَ إذا كانَ في إقبالٍ من الآخرة وانقطاعٍ من الدُّنيا (أي كان في لحظات الموت) ، تنزَّلتْ إليه الملائكةُ كأنَّ على وجُوههم الشَّمس، مع كلّ واحد كَفَنٌ وحنُوط .
فجلسُوا منهُ مَدَّ البَصَر ، حتَّى إذا خرجتْ روحُه صلَّى عليه كلُّ مَلَكٍ بينَ السَّماء والأرض وكلُّ مَلَكٍ في السَّماء، وفُتِحتْ له أبوابُ السَّماء ، ليس من أهْلِ بابٍ إلاَّ وهُم يَدْعُون اللهَ أن يُعْرَج برُوحه من قِبَلِهم . فإذا عُرِجَ برُوحه ، قالُوا : رَبّ ، عَبْدُكَ فُلان ، فيقُول : أَرْجِعُوه ، فإنّي عهدْتُ إليهم أنّي منها خلَقْتُهم وفيها أُعِيدُهم ومنها أُخْرِجُهم تارةً أخْرَى .
قال النَّبيّ : فإنَّه (أي الميّتُ المؤمن) يَسْمعُ خَفْقَ نِعَال أصحابه إذا وَلَّوْا عنه (أي مُباشرةً بعد دَفنه) ، فيَأْتيه آتٍ فيقول : مَنْ رَبُّك ؟ ما دِينُك ؟ مَنْ نَبيُّك ؟
(وفي رواية للبخاري عن أنَس رضي الله عنه ، قال : أتاه ملَكان فأقْعَداه . وكذلك في روايات أخرى ، أنَّ الآتِ هو : مَلَكَان) .
فيقولُ (أي الميّتُ المؤمن) : رَبّيَ الله ، ودِيني الإسلام ، ونَبيّي محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم .
فيَنْتَهِرُه (أي الآتِ) ، فيقول له : مَنْ رَبُّك ؟ ما دِينُك ؟ مَنْ نَبيُّك ؟
قالَ النَّبيّ : وهي آخر فِتْنَة تُعرَضُ على المؤمن ، فذلك حين يقول الله عزَّ وجلَّ : { يُثبِّتُ الله الذينَ آمنُوا بالقَوْل الثَّابِت في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة } (14- إبراهيم 27) .
فيقولُ (أي الميّتُ المؤمن) : رَبّيَ الله ، ودِيني الإسلام ، ونَبيّي محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .
فيقولُ له (أي الآتِ) : صَدَقْت .
ثمَّ يأتيه آتٍ حَسَن الوَجْه ، طيّب الرّيح (أي طيّب الرَّائحة) ، حَسَن الثّياب ، فيقول : أبْشِرْ بكَرامةٍ من الله ونَعيم مُقيم .
فيقول (أي الميّتُ المؤمن) : وأنتَ ، فبَشَّركَ اللهُ بِخَيْر ، مَنْ أنت ؟!
فيقول : أنا عمَلُكَ الصَّالح ، كنتَ واللهِ سريعًا في طاعة الله ، بطيئًا عن معصِيَة الله ، فجزاكَ الله خيرًا .
ثمَّ يُفتَحُ له بابٌ من الجنَّة وبابٌ من النَّار ، فيُقال : هذا كان منزلك (أي في النَّار) لَو عصَيْتَ الله ، أبْدَلَكَ الله به هذا (أي في الجنَّة) .
فإذا رأى ما في الجنَّة ، قال : رَبّ عَجّلْ قِيَامَ السَّاعة كي أرْجع إلى أهلي ومالي . فيُقالُ له : اسكن .
قال النَّبيّ : وإنَّ الكافرَ إذا كانَ في انقطاعٍ من الدُّنْيا وإقبالٍ من الآخرة (أي في لحظات الموت) ، نزلَتْ عليه ملائكةٌ غِلاظٌ شِدادٌ ، فانْتَزعُوا روحَه كما يُنْتَزع السَّفُّود الكثير الشّعب من الصُّوف المبْتَلّ ، وتُنْزَعُ نَفْسُه مع العُرُوق ، فيَلْعَنُه كلُّ مَلَكٍ بين السَّماء والأرض وكلُّ مَلَكٍ في السَّماء ، وتُغْلَق أبوابُ السَّماء ، ليسَ من أهل بابٍ إلاَّ وهُم يَدْعُون اللهَ أن لا تُعرجَ روحُه من قِبَلِهم ! فإذا عُرِجَ برُوحه ، قالُوا : رَبّ ، فُلان ابن فُلان ، عَبْدُك .
قال : أَرْجِعُوه ، فإنّي عهدْتُ إليهم أنّي منها خلَقْتُهم ، وفيها أُعِيدُهم ، ومنها أُخْرِجُهم تارةً أخرى .
قال النَّبيّ : فإنَّه (أي الميّتُ الكافر) لَيَسْمعُ خَفْقَ نِعَال أصحابه إذا وَلَّوْا عنه (أي مُباشرةً بعد دَفنه) ، فيَأْتيه آتٍ (وهُما الملَكان) فيقول : مَنْ رَبُّك ؟ ما دِينُك ؟ مَنْ نَبيُّك ؟
فيقول (أي الميّتُ الكافر) : لا أدْري !
فيقول (أي الملَكان) : لا دَرَيْتَ ولا تلَوْت !
ويأتيه آتٍ قبيح الوجه ، قبيح الثّياب ، منتن الرّيح (أي منتن الرَّائحة) ، فيقول : أبْشِرْ بِهَوانٍ من الله وعذابٍ مُقيم !
فيقول (أي الميّتُ الكافر) : وأنتَ ، فبشَّركَ اللهُ بالشَّرّ ، مَنْ أنت ؟!
فيقول : أنا عمَلُك الخبيث ، كنتَ بطيئًا عن طاعة الله ، سريعًا في معصية الله ، فجزاكَ الله شرّا .
قال النَّبيّ : ثمَّ يُقَيَّضُ له (أي للمَيّت الكافر) أعمى (أي مخلوقٌ أعمى) ، أصَمّ ، أبْكَم ، في يَدِه مرزبة ، لو ضربَ بها جبلاً لكانَ تُرابًا . فيضْربه ضربةً حتَّى يصير ترابًا . ثمَّ يُعيده اللهُ كما كان ، فيضْربه ضربة أخرى ، فيصيحُ صيحةً يَسمعه كلُّ شيء إلاَّ الثَّقلين .
ثمَّ يُفتَح له (أي للمَيّت الكافر) بابٌ من النَّار ، ويُمهَّدُ من فُرُش النَّار . (مسند الإمام أحمد بن حنبل - الجزء 4 - ص 295 - رقم الحديث 18637) .
وقد ثبتَ في القرآن والسُّنَّة أنَّ الميّتَ يُنَعَّم في قبره أو يُعذَّب . يقول الله تعالى في آل فرعون : { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ 45 النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ 46 } (40- غافر 46) .
قال العلماء : إنّ هذا العرضَ على النَّار هو في البرزخ ، أي في القبر، قبل يوم الحساب . لذلك قال تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ 46 } ، أي أنّ هذا هو عذاب الآخرة ، والعرض هو عذاب القبر .
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها ، أنَّ يَهوديَّة دخلَتْ عليها فذَكَرَتْ عذابَ القبر ، فقالتْ لها : أعاذَكِ الله من عذاب القبر . فسألَتْ عائشةُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن عذاب القبر ، فقال : نعم ، عذابُ القبر حَقٌّ .
قالتْ عائشة رضي الله تعالى عنها : فَمَا رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعدُ صلَّى صلاةً ، إلاَّ تَعوَّذَ من عذاب القبر . (الجامع الصّحيح المختصر - الجزء 1 - ص 462 - رقم الحديث 1306) .
وروى الإمام البخاري أيضًا في صحيحه عن ابن عبّاس رضي الله عنه ، أنَّه قال : مَرَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على قَبْرَيْن ، فقال : إنَّهما لَيُعَذَّبان ، وما يُعذَّبان في كبير : أمَّا هذا فكانَ لا يَسْتَتِرُ من بَوْلِه ، وأمَّا هذا فكان يَمشي بالنَّميمة .
ثمّ دَعا بِعسيب رَطْب ، فَشَقَّه باثْنَيْن ، فغرسَ على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا ، ثمّ قال : لَعَلَّه يُخفّف عنهما ، ما لَم يَيْبَسَا . (الجامع الصّحيح المختصر - الجزء 5 - ص 2249 - رقم الحديث 5705) .
قد يقول البعض : ولكن لو كشَفنا القبرَ عن ميّت ، لَوَجدنا القبر على حاله ، لم يَضِقْ ولَم يَتَّسِعْ ، ولَما رأيْنا فيه نارًا ولا خُضْرة ، ولَما رأينا الميّتَ يُعذَّب أو يُنعَّم ؟!
وماذا عن الذي يَغرق في البحر وتأكله الحيتان ، كيف سيُسألُ في القبر ويُعذَّب أو يُنعَّم ، وقد تفرَّقَت أعضاءه أَشلاء في كلّ مكان ؟!
يُجيب العلماء عن هذه التّساؤلات بقولهم : عندما تنام بعضَ الوقت ثمّ تستيقظ ونسألُكَ عن حالك ، فإنَّك تُجيبُ بأنَّك خلال نومكَ سافرتَ بالقطار إلى المدينة الفلانيَّة ، وقُمتَ بالعمل الفلاني ، وصعدتَ ونزلتَ ، واصطدم رأسُكَ بالحائط فبكيت ، مع أنَّ مَن كان مستيقظًا بجانبك لَم يلحظْ أيّ شيء ، وكلّ ما شاهده هو أنَّك كنتَ ممدَّدًا على سريرك ، مغمض العينين ، تتقلَّب من حين لآخر يَمنة أو يَسرة .
فكذلك الحالُ إذًا بالنّسبة للميّت : فهو يُسأل ، ويُعذَّب أو يُنعَّم ، سواء في قبره ، أو تتَّصل روحُه بجميع أعضائه المفرَّقة في قاع المحيط أو في بطن الحيتان ، ونحن لا نَرى ولا نسمع ولا نشعر بأيّ شيء من ذلك .
من الخطأ إذًا أن نَقيس عالَم البرزخ وعالَم الآخرة بنفس المقاييس التي نستعملُها في الدُّنيا . فالحواسُّ هناك هي غير الحواسّ هنا ، وما نراه ونسمعهُ هناك لا يمكن أن نراه ونسمعهُ بحواسّنا الدُّنيويَّة .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى