العنف ضد الاطفال وتعامل نبى الرحمة معه
الأحد أغسطس 14, 2011 11:27 pm
الأطفال رياحين عطرة، وغصونٌ نضرة، يملؤون الحياةَ بهجة وسرورًا، ويُضفون على البيوت أنسًا ونعيمًا، بوجودهم تتزيَّن، وكيف لا يكونون كذلك وقد وصفَهم الباري - سبحانه - بأنَّهم {زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46].
وجود الأطفال في المنزل يعني الحيويَّة والحركة والنَّشاط، وبدونِهم يتحوَّل البيتُ إلى صمتٍ وملل لا ينقطع، رغْم ما يتبع وجودَ الأطفال من مشقَّة وصعوبة لا يعلمُها إلا مَن رُزِق بمولودٍ وعالج ترْبيته والقيام عليْه، وفي المقابل أيضًا فإنَّ الحِرْمان من الأطفال والذُّرية أحد المكدِّرات التي تعكِّر صفْو أيِّ زوجين؛ إذْ محبَّة الأطفال والرَّغبة في الإنجاب والذُّرية غريزةٌ إنسانيَّة، ركَّبها الله - سبحانه - في نفس الرجُل والمرأة حتَّى تستمرَّ عجلة الحياة، ويتحقَّق إعمار الكون ودوام النماء.
الأطفال نعمة إلهيَّة، ومنحة ربَّانية، يهبُها الله مَن يشاءُ من عباده، ويمنعُها عمَّن يشاء، بِحكمتِه وقدرته سبحانه، والنَّاس متفاوتون في تقْدير هذه النِّعْمة تفاوتًا كبيرًا، ولا غضاضة في ذلك شأنها شأن كلِّ النعم، يقدِّرها ويعرف حقَّها مَن حُرم منها، ويتجاهلُها ويقصيها مَن رُزقها أو كان منها في كفاف، ولكنَّ المشكلة أن يجعل البعْض هؤلاء الأطْفال الأبرياء حقولاً للتَّعذيب ومُمارسة العنف، بكلِّ ألوانه وأشكاله، إنَّها مصيبة وأي مصيبة أن يتحوَّل أقرب النَّاس إلى الطفل إلى وحشٍ كاسر، لا يرحم ولا يشفق، ولا تجِد الرَّحمة في قلبه مكانًا، ولم أستطِعْ أن أتصوَّر إلى هذه اللحظة كيف يتحوَّل قلْبُ الوالد أو الوالدة إلى حجر؛ بلْ أشدَّ من الحجر، تجاه مَن؟ تجاه هؤلاء الأطفال الصِّغار، الذين لا حوْل لهم ولا قوَّة.
في فترةٍ وجيزة أظهرتْ لنا وسائل الإعلام حالاتٍ متعدِّدةً لأطفال تعرَّضوا للعُنف والتعذيب، من قِبل والديهم، بعض تلك الحالات وصلتْ لحد القتْل والتصفية الجسديَّة، حتَّى تحرَّكت هيئات حقوق الإنسان والمهتمِّين ورجال الاجتماع لسنِّ القوانين الرَّادعة، ومُحاسبة الآباء والأمَّهات المتَّهمين بالعُنف ضدَّ أبنائِهم[1]، وتحرَّك بعض النَّاشطين لإنشاء جمعيَّات خيريَّة لمتابعة قضايا العُنْف المتزايدة، وهذا الأمر مؤشر خطيرٌ يُوحي بِجفاف تلك القلوب القاسية من ماء الرَّحمة، ونذيرٌ يوحي بما تُخبئه الأيَّام من أحداثٍ ومعدلات مهولة لا تقِف عند حدٍّ، ولنتأمَّل كيف عدَّ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - تقبيل الأطْفال نوعًا من الرَّحمة، ومن ترك التقبيل عدَّه بعكس ذلك، فلمَّا قبَّل النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحسن بن عليٍّ وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إنَّ لي عشرةً من الولد، ما قبَّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثمَّ قال: ((مَن لا يَرحم لا يُرحم))؛ أخرجه البخاري.
ومَن تأمَّل سيرة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفتَّش عن مواقفه - عليه السلام - وطرائق تعامُلِه مع الأطفال، يقف مندهشًا أمام آيات الرَّحمة والعطف والرَّأفة التي أوتِيَها - بأبي هو وأمِّي - فقد كان يُداعب الأطفال، ويمازحهم ويلاعبُهم، ويتحمَّل ما يصدر منهم، فجيءَ مرَّة بغلام صغير فحمله فبال على ثوبه، وذات مرَّة كان يخطب على المنبر، فجاء الحسنُ والحسين عليْهِما قميصان أحمران، يمشيان ويَعْثُران، فنزل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من المنبر فحملهما، فوضعهما بين يديه، ثم قال: ((صدق الله ورسوله؛ {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]، نظرتُ إلى هذين الصبيَّين يمشيان فيعثران، فلم أصبر حتَّى قطعت حديثي ورفعتُهما))، ثم أكمل خُطبته.
وهو النبيُّ الكريم، الذي بكى حين رأى ابنَه إبراهيم يجودُ بنفسه في حجْره - عليه الصلاة والسلام - فذرفت عيناه وقال: ((تدمعُ العين، ويحزن القلبُ، ولا نقول إلا ما يرضي ربَّنا، وإنَّا بك - يا إبراهيم - لمحزونون))، ومواقفُ رحمته - عليه الصَّلاة والسلام - بالأطفال كثيرة معلومة.
الذي أودُّ الإشارة إليه أن تكون هذه المواقف الجليلة، التي تحمل أسمَى وأنبلَ المعاني الإنسانيَّة متمثِّلة أمام الجميع، وخاصَّة من يتصدَّون لظاهرة العنْف مع الأطفال، سواء على صعيد الجمعيَّات المتخصِّصة لمكافحة العنْف مع الأطفال، ومراكز رعاية شؤون الأسرة وحقوق الأطفال، أو على صعيد الوعْظ والخطابة والتَّعليم، وما دار في فلَكِها من ندوات ومحاضرات، وأن تُدرس هذه المواقف لأبنائنا وبناتِنا في مختلف مراحلهم الدراسيَّة، ففي بيان سيرته الشَّريفة مع الأطفال علاجٌ لمرضى القسْوة والغلظة، وفيه تهذيب للأخلاق والدَّعوة إلى السموِّ العاطفي والإنساني المتمثِّل في تعامله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي بعثه الله رحمةً للعالمين.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى