الحمدلله الذى جعلنا من امته وكفى بها نعمه وصلى الله عليه وسلم عدد خلقه وعلى اله وصحبه وبعد بعض صفات الحبيب
قال الحسين: سألت أبي عن دخول رسول الله.صلى الله عليه وسلم فقال: كان رسول
الله. صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءا
لله و جزءا لنفسه، وجزءا لأهله، ثم جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك بالخاصة
على العامة ولا يدخر عنهم منه شيئا، وكان من سيرته في جزء الامة إيثار أهل
الفصل باذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو
الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والامة من
مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلغ الشاهد منكم الغائب،
وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر
عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون رواءا ولا يفترقون إلا عن ذواق
ويخرجون أدلة، يعني على الخير. قال: فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه?
قال: كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا فيما يعنيه،
ويؤلفهم،ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس
منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه ويسأل الناس
عما في ايدي الناس، ويحسن الحسن ويقويه وبقبح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر
غير مختلف لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر
عن الحق ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة
وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.
قال: فسألته عن مجلسه، فقال: كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم لا يقوم
ولا يجلس إلا على ذكر، وكان إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس
ويامر بذلك ويعطي كل جلسائه نصيبهم لا يحسب جليسه أن أحدا اكرم عليه ممن
جالسه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس
بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء
وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم يتعاطفون فيه بالتقوى
متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة
ويحفظون الغريب.
قلت: وكيف كانت سيرته في جلسائه? فقال كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم
دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ولا فخاش
ولا عياب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤبس منه، ولا يخيب فيه مؤليه،
قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار، وما لايعنيه وترك الناس من ثلاث:
لا يذم أحدا ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه
ثوابه وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير وإذا سلكت تكلموا
تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم
عنده حديث أولهم يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر
للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجليونهم،
ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه ولا يقبل الثناء إلا من مكافيء،
ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام رواه الترمذي .
وقد روى هذا الحديث أبو بكر بن الأنباري فزاد فيه: قال: فسألته عن سكوت
رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال: كان سكوته على أربع، على الحلم والحذر
والتقدير، والتفكر، فأما التقدير ففي تسوية النظر والإستماع من الناس،
وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، ولا يغضبه شيء ولا
يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدي به، وتركه القبيح
ليتناهى عنه واجتهاده الرأي في إصلاح أمته، والقيام لهم فيما جمع لهم من
خير الدنيا والاخرة والحمدلله رب العالمين .